بسم الله الرحمن الرحيم
- أرادت امرأة عربية مسلمة هي أسماء بن خارجة الفزارية أن تقدم لابنتها النصيحة وهي تزف إلـى زوجها فكان مما قالته لها: " يا بنية إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تألفيـه وقرين لم تألفيـه ، كوني له أرضاً يكن لك سماء ، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً ، وكوني له أمة يصر لك على الفور عبداً...."
- لطالما قرأت هذه الكلمات التي هي جزء من نصيحة هذه الأم العربية المسلمة في معرض استشهـاد الكتاب والمؤلفين بعظم حق الرجل على المرأة .
- وقد قمت بترجمتها إلى الإنجليزية لأقدمها نصيحة لامرأة غربية تزوجت حديثاً .
- وفي حوار لي مع زميل دراسة قديم قال : ما هذا الكلام ( الفارغ ) أو السخيف؟ كيف تقبل أن تكون المرأة أمة للرجل؟ فهل حقاً تدعو الأم ابنتها لتكون أمة للرجل ؟ وهل هذه حقاً هي النظرة الإسلامية للعلاقة بين الرجل والمرأة؟
- وأخذت أفكر في هذه النصيحة محاولاً الخروج عن الفهم الحرفي للنص إلى الدخول إلى أعماق النص- كما يقول نقاد الأدب- لمعرفة مراد أسماء بنت خارجة فكان مما فتح الله به علي أن رجعت إلى تراثنا الإسلامي العظيم المتمثل في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدت أنها تأمر الرجل بالإحسان إلى المرأة سواء كانت ابنة أو زوجاً أو أماً .
- فقد كان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بالنساء ، ومن الأحاديث التي نرددها قوله عليه الصلاة والسلام: ( خيركم ،خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ( كـان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله ، كان يرقع ثوبه ويخصف نعله ) ومن أعظم اللمحات النبوية الكريمة أنه صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته أول ما يفعل هو أن يتسوك.
- إن هذه المرأة العربية المسلمة عبرّت بكلماتها هذه عن بعد نظر عجيب ودقة في صياغة النصيحة وبلاغة عالية. فقد أدركت بحدسها وفطنتها أن المرأة ينبغي أن تكون إيجابية فاعلة وتكون صاحبة المبادرة لأنها أدركت أنها لو فعلت ما أمرتها به فهي الكاسبة :" كوني له أرضاً يكن لك سماء، كوني له مهاداً يكن لك عماداً " ونأتي إلى العبارة التي لم تعجب زميلنا وقد لا تعجب الكثيرين لأنهم اكتفوا بظاهر العبارة. كوني له أمة يكن لك على الفور عبداً.
- لا شك أن النصيحة لم تقصد العبودية الذليلة بمعناها الحرفي فقد جاء الإسلام ليحرر البشرية من كل أنواع العبوديات ذلك أن أول كلمة ينطق بها من يريد دخول الإسلام أن ينفي العبودية لكل شيء سـوى العبودية لله الواحد الأحد " لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله " .
- فما العبودية التي قصدتها المرأة؟ إن العبد هو الذي يتنازل عن إرادته ورغباته وشهواته لمن ملك أمره ، فالمرأة إذا ما أسلمت زمام أمرها لزوجها فإنه بلا شك إذا كان سوي العقل صحيح الأخلاق سيبادر إلى تقديم نفسه ليكون طوعاً لها لا يخالفها ولا يغضبها ولا يستبد بها.
- وكأنّ أسماء بن خارجة قد سبقت زمنها وسبقت أولئك الذين يقولون بأن الزوجين يصبحان شيئاً واحداً يصبحان كياناً واحداً. فما أعجب بلاغتهـا فقد أكدت لابنتها أنه سيصبح لها على الفور عبداً.
- وقد توقفت عند كلمة على الفور أهي لضرورة البلاغة أو المقصود تحقق النتيجة ؟ لا ليست للبلاغة ولكن لتأكدها من تحقق ذلك.
- ويبدو لي أن الأمور قد تغيرت في زمننا فيسبق الزواج فترة الخطبة التي يزعم الكثيرون أنها أسعدت فترات حياتهم . وهي الفترة التي يحاول كل من الخطيبين أن يظهر محاسنه ويخفي عيوبه.
- فيكون الرجل كريماً كرماً لا مثيل له فلا يزور خطيبته إلاّ وجيوبه وأيديه مليئة بالهدايا لها ولأمها ولأخواتها وإخوانها . يعامل الجميع بلطف واحترام ومودة . وتقدم الخطيبة أحسن ما عندها من أخلاق فهي المرأة المشتاقة إلى لقاء الخطيب تتفنن في الزينة وفي إعداد كل ما يحبه الخطيب .
- ويحضرني في هذا المقام أن القاضي شريح تزوج امرأة فلما بنى بها ( دخل بها ) فقام يصلي ركعتين يدعو الله فلما فرغ من صلاته وجدتها قد صلت معه أو بصلاته ثم أخذت تتحدث فقالت بعد أن حمدت الله وأثنت عليه: " إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه ، وما تكره فأبتعد عنه .." فما كان من شريح إلا أن خطب قائلاً: " فقد قلت كلاماً أن تثبتي عليه يكن ذلك حظك ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وأكره كذا ونحن سواء فلا تفرقي ، وما رأيت من حسنه فانشريها أو سيئة فاستريها...".
- ونعود إلى أسماء بنت خارجة فقد وضعت أمام ابنتها خطة متكاملة للتعامل مع الزوج وما أظنهـا إلا تقصد أن الزوج سيعاملها بالمثل لما تقدم من قولها " كوني له أمة يكن لك عبداً " فمما جـاء في تلك النصيحة العظيمة :
" الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، والتعهد لموقع عينية فلا تقنع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلاّ أطيب ريح ، والتفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه ،فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة ، واتقي الفرح أن كان حزيناً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، ولا تفشي له سراً ولا تعصي له أمراً ، فإنك أن أفشيت له سراً لم تأمني غدره وإن عصيت له أمراً أوغرت صدره..".
- وهذه الأمور صحيحة في حق الزوج فمطلوب منه ما هو مطلوب من الزوجة من أن يتزين لها كما كان يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يتزين لامرأته كما تتزين له. وكذلك في بقية الأمور.
- فما أحوجنا في عصرنا هذا الذي كثرت فيه نسبة الطلاق أن يكون من ضمن مناهج الدراسة للذكور والإناث مثل هذه الدروس فالتربية السليمة أساس في تكوين أسرة سليمة وبالتالي مجتمعاً متماسكاً فكم من ضحايا للطلاق فجعت به المجتمعات التي انتشر فيها الطلاق حتى ساوت نسبته نسبة الزواج، وارتفعت نسبة جرائم الأحداث.
__________________