الجزائر بين المطرقة و السندان
منذ زمن ليس بالبعيد ، لازلنا نعاني ويلاته و كوابيسه و سواده ، كانت أيام الجزائر مضروبة في الصفر لا تعرف ليلا من نهار و لا عيدا من عدمه، فالموت و الدماء و المذابح و غيرها من مشاهد الألم تملأ الجزائر و الجزائريين.لقد عشت تلك الأيام و لو وجدت لها اسما آخر ما سميتها أياما لكن لا خيار لي.طفولتي كانت بين الذهاب الى المدرسة و تتبع الأخبار،و ما اسوءها من أخبار فكل يوم نسمع عن انفجار قنبلة هنا أو هناك و عن ذبح عائلة هنا أو هناك و عن اختطاف شابات هنا أو هناك و القائمة طويلة.أتذكر الكثير لكنني أحاول كل يوم أن أتناسى و أعيش كل يوم كما هو.عندما انتقلت الى الجامعة تغيرت الجزائر لتصير آمنة اكثر وذات موقف سياسي أكثر صرامة فاعتقدت بأنني لن اعيش كوابيس الماضي بعد الآن لكنني في احد الأيام و بينما كنت أراجع دروسي أنا و احدى صديقاتي اهتزت بنا الأرض و اهتزت النوافذ حتى أنها كادت تنفجر و سمعت صراخ الجميع و البكاء في كل مكان أما أنا فاكتفيت بالذهاب الى النافذة لأرى ما حدث فاذا بي أجد دخانا كثيفا قبالة الجامعة حيث أدرس ففهمت في الحين كما فهم الجميع أن ما حدث كان عملا ارهابيا "انفجار'".عندما نزلنا من هذه المكتبة، التي تتواجد بالمناسبة في الطابق السادس،وجدنا أن بعض زملائنا ذهبوا الى مكان الحادث لمد يد المساعدة فقلت في نفسي:"ما أشجعهم".على كل أغلقت كل الأبواب و منعنا من الخروج حفاظا على سلامتنا فبقينا كلنا ننتظر أن تنفتح الخطوط من جديد لنتصل بمقربينا لطمأنتهم و في الوقت نفسه من كان يبكي كان يبكي و من كان ينتظر خبرا من عائلته كان ينتظر .لما عادت الخطوط اتصل الجميع بذويهم و بدأت الخبار تتوالى مات 44 شخص و جرح الكثيرون ثم تضاعف العدد ثم ازداد .بعدما هدأت الأمور قليلا عدت الى المنزل و تتبعت الأخبار و اتظرت و ترقبت و كأنني كنت انتظر فوق نار ساخنة ،ساخنة جدا.......
في اليوم التالي عدنا للدراسة بشكل عادي و كأن شيئا لم يحدث بالأمس .هناك أمثلة كثيرة تعبر عن مآسي الجزائر و آلامها لكنني أكتفي بأن أقول بان ما عانته الجزائر لم يحس به أو يفهمه غير الجزائريين انفسهم فالبعض قال :الجزائريون هم أنفسهم الأرهابيون"و ذلك كان قد وضع أمًا فقدت ابنائها و زوجها في خانة الأرهابيين ووضع رضيعا ولد يتيما في خانة الأرهابيين ووضع شابة بريئة سرق منها أثمن ما تملكه لنقل كرامتها في خانة الأرهابيين ووضع عائلات يتجاوز عدد افرادها في خانة الأرهابين ومن قال ذلك كان قد وضع امرأة حاملا شق بطنها بفأس صدىء و انتزع رضيعها ووجدت مرمية في طرقات تشهد على معاناتك يا جزائر في خانة الأرهاب و الأرها بيين.من قال هذا لن أتمنى أن يعيش ما عاشته الجزائر لأنني لا أتمناه لأحد.
في ماض ليس بالبعيد خرج الجزائريون في كل مكان في شرق الجزائر و غربها شمالها و جنوبها ،خرجنا لنعبر عن غضبنا لما حصل للاعبي الفريق الوطني الجزائري بالقاهرة و طالبنا بما يحق لنا تجمعنا جميعا و صرخنا بأعلى صوت" تحيا الجزائر تحيا الجزائر تحيا الجزائر" و ما أغضبنا أكثر أن بعض صحافيي مصر وجدوا قنوات ترفع فيها شتائمهم فلم تطل شتائمهم الأحياء فقط بل حتى الشهداء.قنواتنا الفضائية التزمت الصمت و قنواتهم الفضائية انتهجت سياسة السب و الشتم.بعد تأهل الجزائر لمونديال 2010 خرجنا جميعا لشوارع العاصمة و كل في ولايته رددنا مع بعض "تحيا الجزائر و الجزائريون" وتواصلت أفراحنا أياما و أيام.ربما علي أن أشكر المصريين لما فعلوه لنا بالقاهرة و أنا اقول لما فعلوه لنا لأنهم بضربهم للاعبينا ضربوا كل من يسمي نفسه جزائريا و شكري لهم ينبع من القلب فبارتكابهم لتلك الأخطاء أشعلوا فينا نارا أطفأها الزمن نار الغيرة على الوطن و نار المحاربة من أجل الوطن.عندما سبوا شهدائنا الأبرار سمحوا لكل من لا يعلم أن يعلم بأن للجزائر شهداء ماتوا فداء الوطن و عددهم مليون و نصف المليون شهيد.حققنا التاهل الى المونديال و رسمنا لأنفسنا مكانة قوية و عرفنا العالم بأنفسنا "نحن الجزائرين ان أحببتنا أحببناك و ان كرهتنا كرهناك أكثر" .في الماضي لم الكذب لم نكن نِؤخذ على محمل الجد لم نكن معروفين جغرافيا كنا معروفين ببلد عاش عشرية سوداء لم يكن يعترف بنا أي بلد حتى العرب أنفسهم ما كانوا يعتبروننا عربا مسلمين مثلنا مثلهم و الآن صرنا ممثل العرب الوحيد و صرنا على كل لسان و الشركات تتسابق لترتيب صفقات مع لاعبينا و اعلانات اشهارية .غريب غريب انني لست فرحة بما يحدث الآن على الأطلاق ،ربما لأن ما يحدث قصير المدى سينتهي بانتهاء المونديال .
غدا ستلعب الجزائر، حسنا لنقل العرب وان كان معظم العرب غير مهتمين بفريقنا على الأطلاق و لو كان من تأهل هو الفريق المصري لأختلفت المعطيات تماما و الدليل أنه لم يدن أي بلد عربي ما حدث بمصر ،ربما سنفوز و الأغلب أننا سنخسر كما خسرنا مبارياتنا الودية حتى أمام الأمارات الشقيقة ،لكنني لا أريد أن ننسى ما حققه هذا الفريق لنا كجزائريين ليس من العدل أن ننسى بأنه بفضل ذلك الفريق سيرفع الأخضر و الأحمر و الأبيض و النجمة و الهلال في سماء جنوب افريقيا و أن نشيدنا المقدس "قسما" الحبيب سيرفع على مسامع من لا يعرفه و أننا بسماعه ستقشعر أبداننا و ربما تدمع عيوننا لا أدري لماذا لكن في هذا النشيد سر و قوته لا توصف .ما أرغب في قوله لكم أيها الجزائريون باعتبار أننا لازلنا نتذكر ويلات العشرية السوداء فلنتذكر ما انجزه هذا الفريق في ظرف قصير جدا و لنتوقف عن السب و التصرف كـ"الهوليغانز" لأننا لسنا كذلك فنحن مسلمين نشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا عبده و رسوله نحن جزائريون عشنا المر اكثر من الحلو و عشنا المآسي حتى جاءت بعض الأفراح لتنسينا هموم الماضي نحن جزائريون نحب كرة القدم صحيح لكننا لا نعتبرها مادة تعبر عن هويتنا و تاريخنا اذ علينا أن نعرف بأنفسنا على أننا الجزائريون المسلمون و نعرف أنفسنا على أننا شعب عانى الكثير لكنه لم ينزل رأسه لأحد و لم يركع لأحد لا في الماضي و لا الآن و لا فيما بعد .دعونا نشجع فريقنا الوطني فاذا فاز نحن معه و ان خسر نحن معه دعونا نتجنب ما حدث في ملعب 5جويلية في مباراة صربيا دعونا ننسى ما حدث في مباراة الأمارات ،لا تضعوا لأنفسكم تاريخا سيئا فلتصنعوا لأنفسكم تاريخا نقيا و طاهرا فليعرفنا العالم على اننا أفضل المشجعين و أغناهم أخلاقا .
لا أنتظر من الفريق الوطني الكثير لأن الظروف كلها كانت ضده و لازالت لكنني تشرفت بالتعرف على مثل هذا الفريق المحارب ليس كل الفريق طبعا فالبعض جاء فقط للمشاركة في مونديال جنوب افريقيا لا غير و ليس حبا في الوطن و العلم ولكن ان كنت مخطاة بهذا الشأن فسألتمس منهم السماح و هذا ما سيثبت بعد المونديال.
في الأخير أرجو أن يوفق فريقنا الوطني و ان كان الأمر مستبعدا جدا و أرجو أن نتصرف كمناصرين للفريق و اؤكد على كلمة مناصرين .لا تحبوا فريقكم الوطني في أوقات الربح فقط و لكن اكثر في اوقات الخسارة.
شكرا لكم
الجزائرية مريم
جزائر حبي و فلسطين دائما أبدا.........