خذ الخير من أهله ودع الشر لأهله
علمتني الحياة، أن الناس هم الذين يصنعون الخير، وهم الذين يصنعون الشرّ، فظهور الفساد كشفه القرآن بكامل الوضوح من جرّاء صنع الشرّ قال الله تعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" "الروم آية 41" ظهر الخلل والانحراف في البرّ والبحر، بسبب شؤم المعاصي وكثرة الذنوب، ظهرت ألوان مختلفة من الفساد والأطماع، وتفنن الناس في ابتداع المنكرات، وأصناف الأذى والضرر بأنفسهم وبغيرهم، وبقي أهل الإيمان الحق في حصن حصين من الانزلاق والتردي في الضلالات واقتضى العدل الإلهي أن يجازي الله المفسدين بإفسادهم سوء العاقبة والمصير، وأن يكرم الصالحين المؤمنين بأفضاله ومكارمه؛ قال الله عز وجل "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" "الشورى آية 30".
وتعلمت من الحياة "خذ الخير من أهله، ودع الشرّ لأهله" وأيضا "الخير بالخير والبادي أكرم، والشرّ بالشرّ والبادي أظلم" وأفادتني وصية لقمان لابنه: "يا بني كذب من قال: إن الشرّ بالشرّ يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين وينظر هل تطفأ إحداهما الأخرى؟ إنما يطفئ الخير الشرّ كما يطفئ الماء النار" ولهذا "لكي نجبر الناس على أن يقولوا الخير فينا، يجب أن نعمل الخير".
قال بعض الحكماء "إذا وجدت في الشرّ حلاوة، فإن الحلاوة تزول والشر يبقى، وإذا تعبت من الخير، فإن التعب يزول والخير يبقى" قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "عجب لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح؟ وعجبا لمن قيل فيه الشرّ وليس فيه كيف يغضب" ولهذا "افعل ما يسرّك عاجله، وينفعك آجله". وأفادتني تقلبات الزمن، وتحولات الحياة، وسلوكيات البشر، أن "الخير أجل بضاعة والإحسان أفضل زراعة" وزادتني نصيحة لقمان الحكيم لابنه عزيمة وثقة حين قال "استعن بالله من شرار الناس، وكن من خيارهم على حذر".
لقد قسم أحد الخبراء الناس في الخير إلى أربعة أقسام: منهم من يفعله ابتداء فهو ذو مروءة، ومنهم من يفعله اقتداء فهو حكيم، ومن تركه حرمان فهو شقي، ومن تركه استحسانا فهو دنيء. ولا شك أن "من سالم الناس سلم ومن قدم الخير غنم". وهذا قاسم أمين يحذرنا من الوقوع في الغفلة ونفاق بعض الناس "من الناس من يظهر لك الخبز في يد، ويخفي في الأخرى حجرا"، قال سقراط "الخير الوحيد في العالم هو العلم، والشر الوحيد فيه هو الجهل". وتيقنت أن "كل شيء يزول إلا الخير الذي تفعله".
تساءلت بيني وبين نفسي كيف أعامل الناس، ونحن في هذه الدينا، نعيش بين متناقضين يتصارعان، كل منهما يسعى للاستيلاء على ذاتنا، وعلى عقولنا، ويوجه سلوكنا كما يريد، فإذا بي أجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوجهني "اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله" روي عن علي بن أبي طالب وغيره في رواية مالك.
فرحت للناس، وأحسنت للناس، فوجدت فيهم ما قاله أبو ذر الغفاري في البداية وفي النهاية "كان الناس ورقا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكا لا ورق فيه ووجدتهم معادن كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا" وصدق محمد فريد أبو حديد في وصفه للناس" أفضل الناس هو أجدرهم بالإكبار، وأقساهم قدرا هو الأناني الذي يزاحم لكي يخطف ما ليس من حقه، وأحقرهم هو الذي يعتدي على الآخرين بقوته أو سلطانه" وكما قال الشاعر بعدما جرب علاقته مع الناس:
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا
وقد أصاب علي بن أبي طالب في حكمه على من لم يكن أهلا وكفئا في العمل الذي أسند إليه "إذا بلغ المرء في الدنيا فوق قدره، تنكرت للناس أخلاقه" وصنف المأمون طبقات الإخوان إلى ثلاث فقال "الإخوان ثلاث طبقات: طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء قد يحتاج إليها، وطبقة كالداء جنبك الله إياه". جاء في مثل "كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرسته يقلعك"، وفي آخر "ابن آدم ذئب مع الضعف، أسد مع القوة".
بعد كل ما ذكرت وجدت وصيّة علي بن أبي طالب مقبولة عقلا ومنطقا، أتمنى أن يتحلى بها كل مسؤول من منطلق مسؤوليته ومهنته وحرفته وعمله "اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره ما تكره لها، ولا تظلم كما تحب ألا تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن لك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، ولا تقل ما لا تحب أن يقال عنك"، فكما قيل "الرجل العظيم هو أنفع الناس للناس".
حقا علمتني الحياة كيف تعالج الأعصاب المرهقة المشتتة، فهذا حكيم خبير يفيدني بالعلاج الشافي "ما أجمله من علاج للأعصاب المرهقة المشتتة كلمة حب وحنان من انسان لا يربطه بك شيء" وما أعمقه من مثل تركي في مقصده "افعل الخير وارمه في البحر، فإذا تجاهلته الأسماك، فإن الله سيعلم به".
لقد أفادني الفرقان بالفرق بين الخير والشر، فالخير حكمة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" "البقرة آية 269" والبخل بما فضل الله به بعض عباده شرّ "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم" "آل عمران آية 180".
ومهما كان الأمر فالإنسان هو في حالة اختبار وابتلاء كما ذكر تعالى في القرآن الكريم "ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" "الأنبياء آية 35" وقد حدّد تعالى أعمالنا بمقدار صغير جدا، هي الذرة حتى لا يضيع شيء من أعمالنا بشفافية تامة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" "الزلزلة آيتان 7- 8" ووعد سبحانه الأبرار منا بالخير بفضل تقواهم في دنياهم "وما عند الله خير للأبرار" "آل عمران آية 198" وأكد جل وعلا سبحانه "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" "البقرة آية 110" مضيفا سبحانه "وإن للطاغين لشرّ مآب" "ص آية 55". ها أنا أترك لكم يا بني آدم بين أيديكم ما تعلمته من الحياة لعلكم تهتدون.
--------------------------------------------------------------------------------